دراسة علمية لتدبر القرآن الكريم عند السلف الصالح من خلال تفسير الإمام ابن جرير الطبري

أنزل الله تعالى الـقرآن لنتدبر آياتِه، ومـا ذلك إلا لأن التدبُّرَ مفتاحُ مناجم المـعاني وبه تُستَخرَجُ كنوزُ القرآن وتُستثار دفائنُه.
ولم يزل الباحثون والـدارسـون يـنهـلـون مـن مـعين التـدبـر ويتخذونه مجالًا لأبحاثهم ودراساتهم، ولا يزال المجالُ رحبًا واسعًا لقاصديه، لعظيم بركة القرآن .. ومـن أخـصِّ ذلك تـطبـيقاتُ الـتدبر وشـواهدُه، وفـحصُ ما تضمنته مصنفات الأعلام من مظاهر التدبر ومعالمه.
وهـذا الـكـتاب يأتي جامعًا بين التـنظير والـتطبيق، حـيث استعرض فيه مؤلفه طريقة السلف الصالح في تدبر آيات القرآن على نحوٍ ائتلف فيه التأصيل والتمثيل، لأن تطبـيقات الـسلف الـتدبـرية وإن كانت أمثلةً إلا أنها في ذاتها منـارٌ لمن أتـى بـعدهم، فحُقَّ لتطبيقاتهم أن تكون مشكاةً للـتدبُّر ومنارةً للاستنباط والـتفكُّر، كما أنها -بما تضمَّنتْه من أصولٍ وقواعدَ- معيارٌ لامتحان سـلامة تدبرات الخلف وتمييز المقبول منها والمردود.
وقـد جعل الـمؤلفُ تفسيرَ الإمام الطبري وآثارَ السلف الـواردة فيه محلًّا لسياحة بحثه ونـظره، فجمع من تضاعيفه آثارَ السلف في التدبر، وما ذلك إلا للمكانة التي تبوَّأها هذا التـفسير الجليل من بين سائر التفاسير، حـتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه (من أجـلِّ التفاسير، وأعظمِها قدرًا). ونوّه بصحة ما ورد فيه من آثارٍ بقوله: (وأمـا التفاسير التي في أيدي الـناس فأصحها تـفسير الـطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة).